يقول الشيخ محمد الخضر حسين : " فمن أراد أن يطبع ناشئاً على خُلق الإنصاف ؛ نقَّب على علتى الحسد والغلو فى حب الذات ، فإن وجد لهما فى نفس الناشئ أثراً ؛ روَّضه بالحكمة والموعظة الحسنة ؛ حتى يتهيأ الناشئ لأنْ يكون على هذا الخّلّق العظيم . وإذا كان منشأ الحسد قِلَّة ملاحظة أنَّ النعمة تصل صاحبها من علَّام الغيوب – وهو لا يرسلها إلا لحكمة – فإنَّ من وسائل علاج هذا الدَّاء تلقين الناشئ أنَّ النعم ماديَّة أو أدبيَّة إنَّما ينالها الناس بمشيئة العليم الحكيم . وإذا كان منشأ الحرص على الانفراد بالفخر هو الغلوّ فى حب الذات ؛ كان على المربى تهذيب عاطفة حب الذات فى نفس الناشئ حتى تكون عاطفة معتدلة تجلب له الخير وتأبى له أن ينال غيره بمكروه وإذا شُفى الناشئ من مرض الحسد ، وخَلُص من لوْثة الغلوّ فى حب الذات ؛ لم يبق بينه وبين فضيلة الإنصاف إلَّا أن تَعرِض عليه شيئاً من آثارها الطيبة ، وتُذكِّره بما يُدرك المحرومين منها والمستخفين بها من خسار وهوان . وقلة الإنصاف تُبعد ما بين الأقارب أو الأصدقاء ، وكم من تجافٍ نشأ بين أخوين أو صديقين ! إنما نشأ من جحود أحدهما بعض ما يتحلَّى به الآخر من فضل ، أو من ردَّه عليه رأياً أو رواية وهو يعلم أنه مصيب فيما رأى ، أو صادق فيما روى ، وقال الحكيم العربى : ولم تزل قلة الإنصاف قاطعةً بين الرجال وإنْ كانوا ذوى رَحِم
" نقَّب على علتى الحسد والغلو " المقصود بالغلو هنا